لقد ماتت العملة الرقمية الحقيقية منذ زمن.

المؤلف: hitesh.eth

ترجمة: شينتشاو TechFlow

منذ ولادة العملات الرقمية، كانت تقوم على مفهوم الإيثار. لم يكن الأشخاص الذين استخدموا أي منتجات تعتمد على العملات الرقمية في البداية يسعون وراء المال. في الواقع، كانوا سعداء بتوفير الموارد لشبكات التشفير المبكرة مثل BitTorrent، مما ساعد مجتمعًا كبيرًا.

في ذلك الوقت، عندما لم تكن OTT (منصات البث المباشر) قد انتشرت بعد، كان من الصعب جداً مشاهدة فيلم جيد وعالي الجودة على الإنترنت، وكانت هذه مشكلة شائعة على مستوى العالم. كان علينا الانتظار لعدة أشهر حتى يتم عرض الأفلام على القنوات التلفزيونية، لنتمكن من مشاهدة تلك الأفلام التي لم نستطع الذهاب لمشاهدتها في دور السينما كل عطلة نهاية أسبوع.

تتطور ثقافة السينما باستمرار، وأعتقد أنها الثقافة الوحيدة التي تستمر في جذب المزيد من الناس. أولئك الذين يجذبهم ثقافة السينما يميلون إلى البقاء فيها لفترة طويلة، وقد لعبت العملات الرقمية دورًا في هذا الأمر. إنها تتيح لمزيد من الناس حول العالم الانغماس في ذلك من خلال الإنترنت، مما يجعل ثقافة السينما أكثر شمولاً وتنوعاً.

يقوم العديد من الأشخاص بتوفير ملفات الأفلام من خلال أنظمة الكمبيوتر الخاصة بهم، باستخدام البذور والنقاط (seeds and peers) للمشاركة، بينما نقوم نحن بتنزيلها من أنظمتهم بطريقة نظير إلى نظير (p2p). كل هذا يبدو كالسحر. إنه مجاني، ويعتمد بالكامل على الحب المشترك للأفلام.

إن هذا الشعور المشترك بمواجهة الأنظمة والعمليات المركزية، وإعادة السلطة إلى الناس، هو جوهر الروح التي يتمتع بها أولئك الذين شاركوا بشكل متعمد أو غير متعمد في المنتجات المشفرة في المراحل المبكرة.

ثم ظهرت البيتكوين (Bitcoin) بشكل مفاجئ، مما أصبح نقطة تحول في مجال التشفير. في المراحل الأولى من البيتكوين، لم يكن أولئك الذين انضموا إلى الشبكة يهتمون بسعرها. كانوا يهتمون ببناء الشبكة، وتعليم المزيد من الأشخاص، ودفع اعتمادها المبكر. كانوا حتى يقدمون البيتكوين مجانًا من خلال المنتديات، والتجمعات الشخصية، والفعاليات، وقوائم البريد.

بين عامي 2009 و2010، تم توزيع آلاف البيتكوين مجانًا، حيث لم يكن للبيتكوين في ذلك الوقت أي قيمة سوقية. ولكن مع ظهور البورصات، بدأ البيتكوين يُتداول، و逐渐赋予ه السوق قيمة. هذا غيّر كل شيء. بدأت روح الإيثار تتراجع، ودخلت الخوف والجشع بهدوء، مما لوث وعي الشبكة تدريجياً.

أصبحت أحداث مثل Mt. Gox و Bitconnect و OneCoin حالات نموذجية، حيث استنزف هؤلاء الفاعلون الخبيثون ملايين البيتكوين من الناس العاديين الذين يحملون أحلامًا وآمالًا. نحن دائمًا نشعر أننا المشاركون الأوائل في اللعبة. في الواقع، ليس الأمر كذلك، أخي.

في الواقع، لقد جئنا متأخرين جداً، حتى أكثر من أولئك الذين يقودون سيارات الأجرة في زوايا نائية، مع ابتسامات كبيرة على وجوههم، لكنهم فقدوا 10 بيتكوين بسبب احتيال Bitconnect. هؤلاء هم المشاركون الحقيقيون الأوائل. لقد آمنوا بالبيتكوين، ولكنهم لم يفهموا أبداً المعنى الحقيقي لأهمية البيتكوين.

ربما، بعد أن تم ربط المال بالعملات المشفرة، تغير كل شيء. أولئك الذين قرروا بناء سوق التشفير بعد عام 2012 اعتبروا “استغلال المعلومات غير المتكافئة لتحقيق مكاسب شخصية” كأجندة جديدة. لقد حققوا نجاحًا كبيرًا في السوق، خاصة في عام 2017 عندما تم تداول مئات الرموز في عدد قليل من البورصات، مما أدى أيضًا إلى ظهور ICO (الاكتتاب العام الأولي للرموز). في الأشهر الـ 12 التالية، دخل أكثر من 500 رمز السوق من خلال ICO. جمعت المشاريع مليارات الدولارات من التمويل عبر ICO. ومع ذلك، لم تحصل معظم الرموز على فرصة الإدراج المناسبة، وانتهى الأمر تقريبًا بجميع رموز ICO بالزوال خلال ثلاث سنوات.

لكن عندما كانت هذه المشاريع تحظى بشعبية، كان الناس يعتقدون أنها ستغير العالم. كان الجميع يؤمن بهذه الأفكار، ولكنهم لم يدركوا أن البنية التحتية لم تكن جاهزة بعد. كان هناك بعض الأشخاص الذين يهتمون حقًا الذين يذكرون الآخرين باستمرار، لكن لم يكن أحد يرغب في الاستماع. ما كانوا يرونه هو فقط الآخرين يحققون الربح، ويشاركون قصص النجاح على الإنترنت، وهذا يكفي لجعلهم يعتقدون أن العملات المشفرة ستغير حياتهم. لقد آمنوا بذلك، ولذلك فقدوا. ونجح الأشرار مرة أخرى. بعض الأشخاص حتى نجحوا في التظاهر بأنهم “أشخاص طيبون”، وما زالوا يعملون في مواقع أعلى حتى الآن.

وجه جديد للتشفير

تحولت العملات المشفرة (Crypto tokens) إلى سلاسل بيانات تعهد محدودة العرض، بينما يتحكم فريق المشروع في توزيع هذه العملات. يقوم فريق المشروع بإصدار إمدادات العملات ببطء إلى السوق بطريقة محسوبة بعناية، حيث يتم توزيع جزء منها لخلق طلب مصطنع، ثم تصميم آليات تحفيزية لجذب المشاركين الأوائل، لربط هوياتهم وسمعتهم بالعملات.

هذه المحفزات ليست فقط اقتصادية، بل هي أيضًا محفزات نفسية تهدف إلى إثارة الإيمان والقبلية (tribalism) و"خوف من فقدان الفرصة" (FOMO). المنتج الحقيقي ليس الرمز، بل هو الوهم. السرد المبني حول هذه السلاسل البيانية ليس فقط زائفًا، بل تم التحكم فيه عاطفيًا بشكل دقيق. الهدف دائمًا هو أولئك الذين يعيشون في دائرة البقاء “العقل التفاعلي” (reactive mind)، وهم ملايين الأشخاص الذين يبحثون عن المعنى ويتوقون إلى الإيمان.

بمجرد أن تلمس هذا النوع من التفكير، لن تحتاج حتى إلى دليل، فقط قصة، رمز يبدو كأنه “فرصة أخيرة”. تفكير البشر، بعد عقود من الندرة، والخزي، أو ردود الفعل على الفرص الضائعة، سيتشبث بشدة بهذه السرديات. ومع ذلك، فإن الأشخاص وراء هذه السلاسل البيانية يعرفون كل شيء عن ذلك. ما يبيعونه ليس منتجًا، بل أمل - أمل يرتدي ثوب الأرقام، والاتجاهات، ومصطلحات المجتمع. إنهم يستفيدون من عدم تناسق المعلومات بدقة، لأن الأمل هو أكثر شيء يمكن بيعه، وأصعب شيء يمكن الإقلاع عنه.

ما نراه ليس شيئًا جديدًا، بل مجرد تسارع أكبر. لقد اعتمد تركيز الثروة دائمًا على هذه اللامساواة. قلة قليلة تعرف قواعد اللعبة، بينما يتمسك معظم الناس بالأحلام. لكن في عالم الرموز، تنتشر المعتقدات بسرعة تفوق بكثير سرعة التفكير. الضحايا ليس لديهم حتى الوقت للتوقف للتفكير، لأن الوعد التالي قد ظهر بالفعل - لامع، وشائع، ومليء بالإمكانات، ومصداقيته كافية تمامًا، كأنه أمل الخلاص.

الحقيقة المستخرجة

لقد وصلنا إلى مرحلة نشعر فيها بأننا خدعنا، لكننا لا نستطيع قبول هذه الحقيقة. بالنسبة لأولئك الذين دخلوا السوق حديثًا، لا يزال بإمكانهم رؤية الأمل؛ ولكن بالنسبة لأولئك الذين مروا بدورتين إلى ثلاث دورات في السوق، فإنهم لا يستطيعون حتى استيعاب هيكل السوق الحالي. هذا ما لا يمكنهم قبوله حقًا. إنهم غير قادرين على مواكبة تغييرات السرد، ولا يمكنهم تتبع سرعة عمل المحفزات، ولا يمكنهم التصرف بسرعة، لأنهم لا يزالون عالقين في مفاهيم السوق التي كانوا يعتبرونها أسهل في السابق.

ولكن إذا فكرت بعمق، فإن السوق لم يكن أبداً “بسيطاً” أو “معقداً”، كل هذا يتعلق بالحجم. في الماضي، كان “المستخرج” يواجه مئة ألف مستخدم، والآن، يحتاج “المستخرج” فقط لمواجهة مئة مستخدم.

تزداد احتمالية استغلالك بشكل كبير. حتى في عالم المستغلين، هناك تنافس، لذا لا يمكنهم التركيز على شيء واحد لفترة طويلة لتجنب الكشف. إنهم يطرحون باستمرار سرديات جديدة في السوق، مما يثير حماس المشاركين.

يتجول الناس بين الفوز والخسارة، حيث يبقى البعض ويغادر البعض الآخر، لكن عملية الاستغلال لم تتوقف أبدًا، بل تواصلت في التوسع. حتى لو كنت داخل حلقة الاستغلال، سيكون هناك دائمًا نافذة تتيح لك الخروج مع الأرباح، وهذا يعتمد على انضباطك وإدارة المخاطر والخبرات المستفادة من الماضي. بعض الأشخاص الأذكياء يحققون أرباحًا من خلال الخروج في الوقت المناسب، بينما يصبح آخرون “سيولة الخروج”. ستستمر هذه الحلقة إلى ما لا نهاية، لأن المستغلين يعرفون جيدًا أنهم لم يتجاوزوا سوى سطح جشع البشرية.

مع ارتفاع معدل الاعتماد السائد، سيتعرض المزيد من الناس لذلك. وعندما يحدث ذلك، ستتدخل الحكومة تحت مسمى التنظيم “لإنقاذنا”، وفي النهاية ستقوم بتحويل الأموال المستخرجة إلى جيوبها من خلال الضرائب.

تأمل

عندما تدرك كل هذا وتبدأ في التفكير بعمق، وتقارن ذلك بالنوايا الأصلية للإيثار، قد لا تستطيع إلا أن تذرف الدموع عندما ترى كل ما فعلناه للعملات المشفرة.

في السابق، كانت هذه شيء نقي، محرر ومليء بالأمل، حيث أظهرت لنا إمكانية وجود نظام بديل.

كان يجب أن يعيد السلطة إلينا.

والآن، يبدو أننا نمتلك القوة، لكن هذه القوة هي قوة مفقودة.

نحن نتبع فلسفة الإيثار، لكننا سلمنا السلام الداخلي والمال إلى السوق، بينما يتخفى نصاب ما في زاوية ويضحك على غبائنا.

تحولت الأحلام إلى أوهام، وتطورت الأوهام إلى استغلال، وقد تكون هذه هي القصة الحقيقية للعملات المشفرة.