الأسواق المشفرة تقدم الآن "سيمفونية مزدوجة"، حيث يلتقي الهتاف والاحتفال أمام المسرح مع التفكير الحذر وراء الكواليس، مما يخلق عالمين متناقضين تمامًا.

في مؤتمر صناعي أقيم هذا العام، تنبأ أحد محللي وول ستريت المشهورين بصخب قائلاً: "بيتكوين ستصل إلى أعلى مستوى لها في يناير القادم!" سرعان ما تصدرت هذه التصريحات عناوين وسائل الإعلام المالية الكبرى، وأصبحت مرجعًا يتبعها العديد من المستثمرين الأفراد.

لكن التقرير الداخلي الذي أصدرته نفس المؤسسة للعملاء المدفوعين يصف صورة مختلفة تمامًا. وأشار التقرير إلى أن سوق العملات المشفرة سيشهد تصحيحًا عميقًا في النصف الأول من عام 2026، مع احتمال تراجع بيتكوين إلى نطاق 60,000-65,000 دولار، وحتى أن إيثيريوم قد ينخفض إلى 1800-2000 دولار.

هذا الاختلاف الكبير في التوقعات يثير تساؤلاً حادًا: أي نسخة من السوق يجب أن نصدقها؟

**الخطاب العلني مقابل البحث الخاص، وجهان لعملة المحلل**

في العلن، يُعد هذا المحلل من المؤيدين المتحمسين للعملات المشفرة بشكل لا لبس فيه. طوال عام 2025، لم يتوقف تقريبًا عن الترويج لإيثيريوم.

في يوليو وأغسطس، عندما اقترب سعر إيثيريوم من أعلى مستوياته التاريخية، أعلن مباشرة أن "إيثيريوم ستتجاوز 12,000-15,000 دولار بنهاية 2025"، واعتبرها "فرصة استثمارية كبرى ذات إمكانات عالية على مدى 10-15 سنة".

وفي نوفمبر، طرح مفهوم "الدورة الفائقة" الجديد، مدعيًا أن إيثيريوم يكرر مسار النمو المئوي الذي حققه بيتكوين بين 2017 و2021. وعند حضوره مؤتمر الصناعة في بداية ديسمبر، وبسعر إيثيريوم حوالي 3000 دولار آنذاك، لم يتردد في التصريح بأن السوق يقدّرها بشكل منخفض جدًا.

**ما يراه العملاء الداخليون هو قصة مختلفة تمامًا**

على النقيض من ذلك، تظهر التقارير الداخلية الموجهة للمستثمرين المؤسساتيين مواقف مختلفة تمامًا. إذ اتخذت موقفًا أكثر حذرًا، وتوقعت بشكل واضح تراجع السوق في النصف الأول من 2026.

هذا التناقض بين التصريحات العلنية المتطرفة والتوقعات الداخلية الحذرة أثار تساؤلات واسعة بين المشاركين في السوق. أي الرؤيتين أقرب إلى الواقع؟ هل التصريحات العلنية تهدف لجذب الانتباه أم تعكس نية حقيقية؟ هذه الأسئلة تثير قلق المستثمرين.

**التفكير وراء الظاهرة السوقية**

هذه ليست حالة فردية. ففي سوق العملات المشفرة، تتكرر ظاهرة التباين في المعلومات بشكل مستمر. غالبًا ما تتبع المؤسسات التحليلية والمتخصصون استراتيجيات مختلفة عند التعامل مع الجمهور العام والعملاء المؤسساتيين. ويعكس ذلك تعقيد السوق: من جهة، يجب الحفاظ على حيوية السوق ومشاركة المستثمرين، ومن جهة أخرى، تقديم نصائح حذرة واحترافية للعملاء المدفوعين.

بالنسبة للمستثمر العادي، تبرز هذه الظاهرة حكمة سوق مهمة: عدم الاعتماد بشكل مفرط على صوت واحد، خاصة تلك التصريحات العلنية المطلقة والمتفائلة جدًا. جمع المعلومات من مصادر متعددة وإجراء تقييم مستقل هو دائمًا المفتاح للحفاظ على عقلانية في سوق العملات المشفرة.