دليل شامل لفهم حساب الزكاة على الذهب ومعاييرها الشرعية

الزكاة تمثل أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي فريضة مالية وروحية فرضها الله تعالى على المسلمين. قال الحق سبحانه: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، مما يدل على مكانتها العظيمة في الدين. في الوقت الذي يعتمد فيه الكثيرون على الذهب كملاذ آمن ضد التضخم والأزمات المالية، تزداد الحاجة إلى فهم واضح لأحكام الزكاة عليه. هذا الدليل يوضح كيفية حساب زكاة الذهب، والشروط الواجب توافرها، والفئات المستحقة لها.

شروط وجوب زكاة الذهب

تجب زكاة الذهب على المسلم عند توفر عدة شروط أساسية:

الشرط الأول: بلوغ النصاب الشرعي

النصاب يمثل الحد الأدنى من الثروة الذهبية التي إذا امتلكها المسلم وجبت عليه الزكاة. ورد في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: “لا زكاة عليك في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار”. حدد الفقهاء قيمة عشرين دينارًا بما يعادل تقريبًا 85 جرامًا من الذهب الخالص عيار 24.

الشرط الثاني: مرور الحول

يقصد به مرور سنة هجرية كاملة على امتلاك النصاب. فإذا ملك شخص النصاب اليوم، فزكاته تستحق بعد مرور سنة قمرية كاملة على تاريخ تملكه. أما إذا اشترى ذهبًا جديدًا فلا تجب فيه الزكاة إلا بعد مضي العام على شرائه.

الشرط الثالث: الملكية التامة

يجب أن يكون الذهب مملوكًا ملكية تامة، لا ديون عليه ولا تعلقات قانونية تحد من التصرف فيه.

فئات الذهب وأحكامها الزكوية المختلفة

الشريعة الإسلامية ميزت بين عدة أنواع من الذهب من حيث الاستخدام والغرض:

1- الذهب المخصص للتجارة والاستثمار

إذا كان الذهب بأي شكل (سبائك، عملات معدنية، صناديق استثمار متداولة في البورصة) معدًا للبيع أو زيادة رأس المال، فتجب فيه الزكاة بالإجماع. قال الإمام النووي إن الحلي الذي لا يُستخدم وإنما يُقتنى للادخار تجب فيه الزكاة. كذلك إذا غيّرت المرأة نيتها من التزين إلى الاستثمار والتجارة، وجبت الزكاة بعد مرور عام كامل من وقت نية التحويل.

2- الحلي المستخدم للزينة اليومية

اختلف الفقهاء حول هذا النوع: يرى الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) أن الحلي المشترى بغرض الاستعمال والتزين اليومي كالخواتم والأساور والقلائد لا زكاة فيه، معتبرين إياه مثل الملابس. بينما ذهب الحنفية إلى وجوب الزكاة على كل ذهب حتى المستخدم للزينة، مستدلين بحديث ورد في سنن أبي داود. وهناك رأي ثالث عند بعض المالكية يرى أن الزكاة تجب مرة واحدة فقط.

3- ذهب الرجال

حرّم الشرع على الرجال لبس الحلي من الذهب بقول النبي ﷺ: “إن هذين حرام على ذكور أمتي” (إشارة إلى الذهب والحرير). لكن هذا التحريم لا يعفيهم من وجوب الزكاة على ما يملكونه من ذهب بأي صيغة كانت.

حساب نصاب الذهب حسب العيار المختلف

يختلف النصاب باختلاف عيار الذهب، لأن نسبة الذهب الخالص تتغير:

المعادلة الأساسية لحساب الزكاة

الصيغة الموحدة لحساب الزكاة على الذهب بسيطة وواضحة:

زكاة الذهب = 2.5% × القيمة السوقية للذهب الخالص

لحساب الزكاة على أي نوع ذهب، يجب أولًا تحديد كمية الذهب الخالص الفعلية بضرب الوزن الإجمالي في نسبة النقاء، ثم ضرب الناتج في سعر الجرام للعيار نفسه، وأخيرًا تطبيق نسبة 2.5%.

أمثلة عملية على حساب الزكاة

مثال 1: ذهب عيار 24 قيراط

تملك 100 جرام ذهب عيار 24، وسعر الجرام من الذهب الخالص 400 ريال سعودي.

• الذهب الخالص: 100 × 1 = 100 جرام
• القيمة الإجمالية: 100 × 400 = 40,000 ريال
• الزكاة المستحقة: 40,000 × 2.5% = 1,000 ريال

مثال 2: ذهب عيار 21 قيراط

تملك 100 جرام ذهب عيار 21، وسعر الجرام 400 ريال سعودي.

• الذهب الخالص: 100 × 0.875 = 87.5 جرام
• القيمة الإجمالية: 87.5 × 400 = 35,000 ريال
• الزكاة المستحقة: 35,000 × 2.5% = 875 ريال

مثال 3: ذهب عيار 18 قيراط

تملك 100 جرام ذهب عيار 18، وسعر الجرام 400 ريال سعودي.

• الذهب الخالص: 100 × 0.75 = 75 جرام
• القيمة الإجمالية: 75 × 400 = 30,000 ريال
• الزكاة المستحقة: 30,000 × 2.5% = 750 ريال

ملحوظة: في المثال الأخير، لم يبلغ الذهب الخالص حد النصاب (85 جرام)، لذا لا تجب الزكاة في هذه الحالة.

الفئات المستحقة لزكاة الذهب

حدد القرآن الكريم ثماني فئات مستحقة للزكاة في قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾.

الفقراء: من لا يملكون ما يكفيهم من أساسيات الحياة.

المساكين: من يملكون بعض ما يسد حاجتهم لكن يعيشون في ضيق.

العاملون عليها: الموظفون المكلفون بجمع وتوزيع الزكاة.

المؤلفة قلوبهم: من يعطاهم المال لتقوية إيمانهم أو كسب مودتهم للإسلام.

في الرقاب: إعانة المكاتبين والعبيد على التحرر من الرق.

الغارمون: من أثقلتهم الديون في أمور مشروعة.

في سبيل الله: الإنفاق على ما يخدم مصلحة الإسلام والأمة.

ابن السبيل: المسافر المنقطع عن ماله في غربته.

من لا يستحق الزكاة

هناك فئات محددة شرعًا لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة:

• آل بيت النبي ﷺ وبنو هاشم: قال النبي ﷺ: “إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ”.
• القادرون على العمل المتكاسلون: لا تُدفع لمن يملك القدرة على الكسب ويتركه كسلًا.
• الأغنياء: قال النبي ﷺ: “لا تَحِلُّ الصَّدقة لغنيٍّ”.
• الكفار: بإجماع الفقهاء، لأن الزكاة عبادة مختصة بالمجتمع المسلم.
• من تجب نفقتهم على المزكي: الوالدان والأجداد والزوجة والأولاد.

زكاة استثمارات الذهب غير المادية

مع تطور الأسواق المالية، ظهرت صيغ استثمارية جديدة للذهب تحتاج إلى معاملة زكوية محددة:

صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) المدعومة بالذهب: تُعامل كملكية مباشرة للذهب، وتخرج الزكاة بنسبة 2.5% من قيمتها السوقية عند مرور الحول.

أسهم شركات التعدين: تزكى حسب النية؛ إذا كانت للمضاربة تُزكى على القيمة السوقية، وإذا كانت للاستثمار الطويل تُزكى على الأرباح فقط.

أرباح الاستثمارات: تُقيّم قيمة الذهب الكاملة بسعر السوق عند تمام الحول، وتُضاف إليها الأرباح، ثم تخرج الزكاة بنسبة 2.5% من الإجمالي إذا بلغ النصاب.

ضوابط وموانع تطبيق الزكاة

عددت الشريعة مجموعة من الضوابط التي تحكم إخراج زكاة الذهب:

• عدم تأخيرها بلا عذر: بعد استحقاقها يجب إخراجها فورًا.
• الالتزام بمصارفها الشرعية: يجب صرفها في الأصناف الثمانية فقط.
• عدم احتسابها من ديون قديمة: تُخرج من مال جديد.
• الابتعاد عن الرياء: تُؤدى لوجه الله وحده.
• عدم التحايل على قيمة النصاب: تقدير النصاب يجب أن يكون صادقًا.
• عدم إخراجها من مال حرام: يجب أن يكون أصل الذهب من مال طيب.

أهمية إخراج زكاة الذهب

لا تقتصر أهمية الزكاة على كونها فريضة دينية، بل تحمل فوائد عملية واجتماعية متعددة:

تطهر الزكاة المال وتزيد البركة فيه، وتُعوّد المسلم على الكرم والعطاء. تسهم في تقليل الفوارق الاجتماعية بإعادة توزيع الثروة من الأغنياء إلى الفقراء. كما أنها تعزز الترابط داخل المجتمع المسلم، وتجعل الاستثمار أكثر بركة بالامتثال لأمر الله والتكافل الاجتماعي.

أسئلة شائعة حول زكاة الذهب

س: كم نصاب الذهب الذي تجب فيه الزكاة؟

ج: نصاب زكاة الذهب يساوي 85 جرامًا من الذهب الخالص عيار 24 قيراط. أما عيار 21 فنصابه حوالي 97 جرامًا، وعيار 18 فنصابه حوالي 113 جرامًا.

س: هل تجب الزكاة على الذهب المستخدم للزينة اليومية؟

ج: اختلف الفقهاء فيه؛ جمهورهم يرى عدم وجوب الزكاة على الحلي المستخدم للزينة اليومية، بينما يرى الحنفية وجوبها.

س: كم نسبة الزكاة على الذهب؟

ج: النسبة الموحدة هي 2.5% من القيمة السوقية للذهب الخالص.

س: هل تجب الزكاة على استثمارات الذهب غير المادية؟

ج: نعم، تجب على صناديق الذهب المتداولة والاستثمارات الذهبية، لكن طرق الحساب تختلف حسب نوع الاستثمار والنية.

س: متى يستحق إخراج الزكاة على الذهب؟

ج: عند بلوغ النصاب ومرور سنة هجرية كاملة على امتلاكه.

س: هل يمكن إخراج الزكاة نقدًا بدلًا من الذهب نفسه؟

ج: نعم، يجوز إخراجها بما يعادل قيمة الذهب بسعر السوق وقت الإخراج.